لم يكن محضُ صدفة إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، استعداد بلاده مساعدة لبنان في ملف تحقيقات تفجير مرفأ بيروت، وذلك من خلال تسليم لبنان الصور الجوية للأقمار الصناعية الروسية الموجهة فوق منطقة شرق المتوسط، سيما بعدما ظلّل الإنقسام السياسي حول تحقيقات المرفأ وأداء المحقق العدلي طارق البيطار، المؤسسات السياسية والقضائية وانتقل إلى الشارع الذي انفجر أمنياً في الطيونة.
بوتين الذي كان يتحدّث في الجلسة الختامية للاجتماع السنوي الـ 18 لمنتدى “فالداي الدولي”، في مدينة سوتشي، كشف أن “كارثة انفجار مرفأ بيروت كانت مرتبطة برغبة البعض بتحقيق مكاسب مالية من خلال بيع الأسمدة بأسعار أفضل”، كما لفت إلى أن “روسيا تمتلك صور الأقمار الصناعية المتعلّقة بانفجار المرفأ، وتدرس إمكانية تقديمها إلى لبنان”، مشيرًا إلى أن “حزب الله يُعتبر قوة سياسية هامة في لبنان”.
فما هو الرابط بين هذا الإعلان الروسي والحديث عن “حزب الله” بأنه قوة إقليمية؟ هل لدى روسيا معلومات عن مخطط أميركي باستخدام ملف المرفأ كمنصّة لاستهداف “حزب الله” واتهامه بالضلوع في التفجير، فأراد الروس استباق الأمر بكشف الأقمار الصناعية لإظهار الحقيقة والتحذير من مواجهة الحزب؟
وهل هناك تنسيق بين الحزب والروس لمواجهة المخطط الجديد لإجهاضه، على غرار ما حصل من تعاون وتنسيق عسكري لمواجهة التنظيمات الإرهابية على الأرض السورية؟
ولماذا لم تعرض روسيا المساعدة في هذا المجال إلا بعد مرور عام على التفجير؟ وما هي الآلية القانونية التي تحكم تزويد صور الأقمار الصناعية بين الدول؟ وهل الدول ملزمة بذلك أم هناك توازن دولي يحكم ذلك خاصة في الأحداث الأمنية الكبرى، وهل تسلّم الصور إلى الدولة اللبنانية أم للجنة تحقيق دولية؟ وما تأثيرها على مسار التحقيقات؟
مصادر مطلعة أوضحت لـ”أحوال” أن “حديث الرئيس بوتين عن لبنان جاء رداً على سؤال خلال دردشة مع الصحافيين في موضوع مسؤولية “حزب الله” عن تفجير المرفأ وسبب معارضته وعرقلته للتحقيق”، إلا أن مصدر سياسي لبناني يحظى بعلاقة وثيقة مع القيادة الروسية، قال لموقعنا إن “الموقف الروسي حيال الملف اللبناني ومن “حزب الله” تحديداً ليس جديداً، فروسيا لديها علاقات جيدة مع الحزب، وشراكة الدم بين الجيش الروسي و”حزب الله” في الحرب السورية تؤكد هذا الموقف الروسي الذي طالما أعلنته وزارة الخارجية الروسية”، مضيفًا: “لكن الجديد هو صدوره على لسان الرئيس بوتين الذي تقصد، بحسب المصدر، الإعلان عن استعداد روسيا تسليم صور الأقمار الصناعية ربطاً بالتطورات الساخنة لملف المرفأ في لبنان وقبل وقوع المحظور، سيما في ظل محاولات لفبركة ملف لاتهام أطراف داخلية وإشعال حرائق أمنية وسياسية”.
ولفت المصدر إلى أن “روسيا تملك صور الأقمار الصناعية التي تغطي الساحل السوري ومعظم الأراضي السورية ومنطقة شرق المتوسط بما فيها لبنان بحكم الوجود العسكري الروسي في سورية، لكن السلطات الرسمية اللبنانية لم تطلب من روسيا تزويدها بها ولو فعلت ذلك لكانت موسكو استجابت، لكن الطلب اللبناني من روسيا اقتصر على معلومات عن باخرة النيترات وقبطانها ذو الجنسية الروسية”. وأشار إلى أن “الرئيس عون لم يطلب صور الأقمار من روسيا، بل طلبها من الفرنسيين ومن الرئيس الفرنسي تحديداً الذي عرض خلال زيارته إلى لبنان المساعدة في التحقيقات، لكنه لم يستجب ولم تقدم فرنسا أي صور جوية”.
من هنا، رأى المصدر أن “العرض الذي قدمه بوتين يشكل دعوة للقاضي طارق البيطار لطلب هذه الصور عن طريق السفارة الروسية في لبنان، بناء على طلب من السلطات السياسية والقضائية ووزارة الخارجية اللبنانية إلى السلطات القضائية والسياسية في روسيا”.
بدورها، تساءلت أوساط سياسية مراقبة: “إذا كان الأميركيون والفرنسيون يؤيدون ويدعمون القاضي بيطار ومسار التحقيقات والسلطة القضائية كما يدّعون، فلماذا يحجبون صور أقمارهم الصناعية الموجهة على كامل منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط؟ ولماذا لا يسلمونها إلى المحق العدلي؟”.
الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، د. هشام جابر، أوضح في حديث لموقعنا أن “تزويد صور الأقمار الصناعية عادة يتم بناء على طلب مجلس الأمن من دولة ما في الأحداث أو التفجيرات التي تشكل خطراً على دولة ما أو على الأمن والسلم العالمي، ويمكن أن يتم ذلك عبر التنسيق بين أي دولتين، أما في حالة تفجير مرفأ بيروت، فهناك ثلاث دول تمتلك هذه الصور وهي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا التي لم تستجب لطلب رئيس الجمهورية، فيما الأميركيون لن يكشفوا عن الصور التي بحوزتهم لإخفاء الحقيقة فيما لو صحّت فرضية استهداف المرفأ بصاروخ إسرائيلي”. وأكد العميد جابر أن “الصور لها قيمة كبيرة وتتمتع بدقة عالية وتساعد بكشف سبب التفجير وتثبيت النظرية الصحيحة”، لكنه تساءل ما “إذا كانت هناك خطوط حمر تعيق تسليم هذه الأسرار الجوية في ظل الموقف الأميركي المعارض لتسليمها، فضلاً عن ضرورة أن تسلم كامل الصور أي قبل حصول التفجير بساعة على الأقل وبعده بساعة مروراً بلحظة التفجير وأن لا يحذف منه شيئًا”، مشيراً إلى “سوابق عن تسليم صور الأقمار في الجرائم الدولية الكبرى”.
وفي هذا الخصوص، لفت المصدر السياسي لفت إلى أن “محاذير قد تعيق تزويد روسيا الصور الجوية وربما من داخل السلطة اللبنانية التي قد لا تتجرأ لطلب هذا الأمر من خارج الإرادة الأميركية، في ظل التعاون الأمني المباشر والاتفاقيات الأمنية بين لبنان وواشنطن، وإلا لماذا لم تطلب السلطة اللبنانية هذا الأمر من فرنسا دون موسكو؟”. واستطرد في ختام حديثه لـ”أحوال”: “لماذا لم تسلم الدول الغربية للقضاء اللبناني وللمحقق الدولي وللمحكمة الدولية صور أقمارها الصناعية في تفجير اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005؟”.
محمد حمية